18 - 05 - 2025

مؤشرات | الدواجن ودور الدولة وصناعة أزمة

مؤشرات | الدواجن ودور الدولة وصناعة أزمة

أثبتت أزمة صناعة الدواجن الأخيرة أن دور الدولة الفاعل مهم جدًا في القطاعات الإقتصادية، وأن السياسات المدروسة وليست العشوائية هي خط الحماية للمواطنين، من أي اضطرابات تتسبب فيها الأزمات العالمية.

مؤكد أن هناك أزمة ونقص في النقد الأجنبي، ليس في مصر وحدها بل في كل دول العالم، وهو ما دفع الحكومة للبحث عن مخرج، ووجدت في الاقتراض من صندوق النقد المخرج الأسرع، بهدفين الأول الحصول على شهادة ثقة تعزز من العلاقات مع دول العالم والمقرضين، والثاني هو توفير نقد أجنبي يغطي جانبا من الإحتياجات العاجلة للاستيراد وسداد أقساط وفوائد الديون وغير ذلك.

ونعود لقضية دور الدولة، والتشديد عليه، والذي يبدأ من دعم المنتج المحلي خاصة في المجال الغذائي والصناعي، وليس الإستهلاكي والخدمي، فإهمال قطاعات حققنا فيها إكتفاءً ذاتيًا، يعتبر كارثة، خصوصا في قطاع مثل صناعة الدواجن والذي يمثل أهم غذاء للمصريين، والأنسب سعرا حتى الآن.

وإهمال قطاع مثل هذا خطأ سياسي، وإستراتيجي يفتح الباب لموجات غلاء في كل القطاعات المشابهة، فلا شك أن الأزمة الأخيرة في توقف بعض المزراع عن الإنتاج، وما حدث من تخلص بعض المزراع من "الصوص"، وهي صغار الكتاكيت، جاء نتيجة قرار حكومي، ظهر سريعا في الدواجن، وحتما هو موجود في منتجات أخرى، إلا أنها لم تظهر حتى الآن، أو ربما هي طي الكتمان، وهو قرار البنك المركزي، بوقف فتح اعتماد الإستيراد نتيجة شح الدولار.

قد يكون القرار له منطقيته ورؤيته ومبرره الإقتصادي، ولكن تعميم القرار على مختلف القطاعات هو الخطا غير المبرر، والذي كان يجب معالجته منذ اللحطة الأولى، فمثل هذا القرار يتسبب في وقف عجلة الإتتاج، ويخلق مزيدا من التبعية بالمفهوم الإقتصادي، ويصبح إقتصاد الدولة خاضعا لضغوط الأطراف الخارجية، ويفقد قراره الوطني، طالما فقد استقلاليته، ويفقد الوطن قدراته الإقتصادية المحلية الإنتاجية الذاتية في قطاعات تمس حاجة المواطن الوطني اليومية، مثل القطاع الغذائي.

صحيح أن تحرك الدولة جاء بشكل مناسب في أزمة القطاع الداجني، وتحت ضغط من المنتجين، وبدعم من البرلمان، إلا أن أهم الدروس التي خرجت بها الأزمة، وهي متعددة، وأهمها دراسة تداعيات أي قرارات قبل تفعيلها، مثل قرار وقف فتح الإعتمادات للإستيراد، والتي كانت أسرعها ظهورا في الغذاء، وليست الدواجن إلا مجرد مثال، وبسبب ندرة الأعلاف، وهناك صناعات مازالت تئن، وربما في انتظار حلول على غرار أعلاف الدواجن.

الخطر الأهم في المرحلة الحالية هو ما أثاره النائب هشام الحصري رئيس لجنة الزراعة والري والأمن الغذائي والثروة الحيوانية، وهو ما يتعلق بدور الدولة في مراقبة سوق الأعلاف، خصوصا مستوردي فول الصويا للتصدي لعمليات الجشع والإستغلال في البيع بأسعار مرتفعة وبأرباح خيالية تصل إلى 40% و 45%، مستفيدين من حالة تعطش السوق للأعلاف، بعد النقص الشديد الذي تسببت فيه قرارات الحكومة والبنك المركزي بوقع الإعتمادات لفترة طويلة.

أخشى أن يخرج من يفسر قرار الحكومة والذي صدر لأسباب مالية ونقدية، والذي استفاد، أو يسعى للإستفادة منه عدد من مستوردي الأعلاف، بأنه صدر بترتيب، لرفع اسعار الأعلاف، ومن هناك وللجم من يقول ذلك، لابد من قوة رقابية على السوق حتى لا تنعكس أسعار الأعلاف على منتجات الدواجن، والتي وصلت في بعض مراحلها إلى غول يلتهم ما تبقى من دخول المواطنين من أجل قطعة بروتين، بينما صانعو الإحتكار في مستلزمات الإنتاج هم أصحاب الحظ على حساب الغلابة.

وهناك يبرز سؤال مهم، لماذا لا تكون هناك شركة تملكها الدولة بشرط ألا تضيف أعباء سعرية في التكاليف، تكون المستورد الرئيس للأعلاف وقت الأزمات، وبتكاليف أقل، تصب في صالح تعزيز مفهوم الإكتفاء الذاتي في الثروة الداجنة، ..فكفي ما نستورده من قوائم المنتجات والسلع.
-----------------------
بقلم: محمود الحضري


مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | جولة ترامب والتريليونات والتطبيع .. والباقي وعود